الفيلم الإيراني "الشاهد" يبهر جمهور مهرجان القاهرة السينمائي
استطاع الفيلم الإيراني "الشاهد"، للمخرج "نادر صيفار" أن يلفت أنظار جمهور مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، ويثير إعجابهم بتقديم قصة تجمع بين جماليات الفن السينمائي ونقد عميق للمجتمع.
كما ينتمي الفيلم إلى مدينة تبريز، ويكشف عن جوانب خفية من الحياة في إيران من خلال شخصية “تارلان”، المعلمة المتقاعدة في مجال الرقص التعبيري، التي تجد نفسها شاهدة على جريمة قتل مروعة ارتكبها مسؤول حكومي بارز، وفي بداية الفيلم يقدم المخرج مشاهد تعكس تناقضات المجتمع الإيراني.
بينما تظهر مجموعة من النسوة الإيرانيات دون غطاء للرأس وهو أمر نادر في السينما الإيرانية، كما تبدأ الأحداث مع “تارلان”، التي تعمل كمعلمة رقص سرية في إيران وسط قيود سياسية واجتماعية خانقة، وتكتشف أنها شاهدة رئيسية على جريمة قتل تسعى الشرطة إلى تجاهلها بسبب تورط مسؤول حكومي بارز.
مما يضعها في صراع داخلي بين الرضوخ للضغوط السياسية أو المخاطرة بكل شيء في سبيل تحقيق العدالة، كما ينقل الفيلم المشاهدين بين أجواء مليئة بالفن والجمال، حيث يعرض رقصات إيرانية تقليدية بأسلوب راقي، وبين معاناة المرأة في مجتمع ذكوري، والمشهد الذي يظهر مواجهة “زارا”، الابنة بالتبني لـ”تارلان”، مع مراقبة الأخلاق يقدم لمحة عن القيود الاجتماعية الصارمة.
بينما يتمحور المشهد حول تهديد المراقبة باستدعاء شرطة الأخلاق بسبب كشف شعرها، في وقت تحاول الأم المتبنية التدخل بحكمة لتهدئة الموقف، ومع تقدم الأحداث يتناول الفيلم معاناة النساء في إيران من خلال شخصية “تارلان” وابنتها بالتبني “زارا”، كما يعكس الفيلم قضايا العنف الأسري من خلال شخصية "سوالت".
الزوج المسؤول الحكومي الذي يمارس أشد أنواع التعنيف على زوجته، ولا يكتفي الزوج بإيذاء زوجته جسدياً، بل يحاصرها في منزلها بإغلاق الستائر وحرمانها من رؤية العالم الخارجي، كما تستمر "تارلان" في دعم ابنتها رغم التحديات، وتحاول التمسك بأحلامها المتعلقة بالرقص، الذي يعكس رغبتها في الحرية وسط قمع سياسي واجتماعي يطال النساء.
كما يلجأ المخرج نادر صيفار إلى رمزية بصرية قوية للتعبير عن حالة القمع التي تعيشها شخصيات الفيلم، بينما تتكرر المشاهد في أماكن مغلقة مثل السيارات والمنازل، حيث تبدو الأبواب مغلقة بشكل مستمر، واللقطات القريبة تعكس شعوراً بالاختناق، مع استخدام ألوان شاحبة وسوداء تهيمن على ملابس الشخصيات.
هذا مما يعكس كآبة الحياة اليومية في ظل القيود المجتمعية والسياسية، حتى في اللحظات التي يفترض أن تحمل نوعاً من الأمل، مثل زيارة “تارلان” لابنها في السجن، كما يحرص الفيلم على إظهار الرمزية السياسية من خلال تصوير السجن بجوار صورة الحاكم، مما يبرز الإيحاءات الواضحة للقمع السياسي ونقد السلطة.
علي الرغم من الجماليات البصرية التي يقدمها الفيلم من خلال استعراض الرقص والألوان، إلا أن الطابع العام للفيلم يميل إلى السوادية، ويصف المخرج مجتمعاً لا يتيح مجال للأمل، حيث كل شيء يخضع لرقابة الدولة وتوجيهاتها، ويظهر هذا من خلال المشاهد التي تصور أشخاصًا يقومون باللطم وترديد شعارات دينية متطرفة، وزيارات متكررة للقبور، مما يضيف إلى أجواء الكآبة.
ببنما استطاع فيلم “الشاهد” أن ينقل صورة صادقة ومؤثرة عن واقع المرأة الإيرانية، حيث أبدع المخرج في تسليط الضوء على القضايا المجتمعية والسياسية بأسلوب يجمع بين الفن والدراما، حيث لاقى الفيلم ترحيباً واسعاً من جمهور مهرجان القاهرة السينمائي، حيث وصفه النقاد بأنه عمل فني جريء يعكس المعاناة المستترة خلف ستائر المجتمعات المحافظة.